الأحد 28 ديسمبر 2025 - 18:23
السوداني: العراق يوازن الداخل والخارج بلا وصاية

وكالة الحوزة - قدّم رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في حوار مع الميادين قراءة متكاملة لمسار الدولة، من نتائج الانتخابات والسياسة الداخلية، إلى العلاقات الإقليمية والدولية.

وكالة أنباء الحوزة - تناول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، في حوار خاص مع قناة "الميادين"، أبرز الملفات التي تواجه الدولة، مبتدئاً بنتائج الانتخابات والسياسة الداخلية، ومروراً بشبكة العلاقات الإقليمية والدولية وملفات الأمن والإعمار.

الانتخابات والسياسة الداخلية: "مؤشر رضا" رغم مقاطعة بعض القوى

السوداني قال إن نجاح العملية الانتخابية الأخيرة يعود بالدرجة الأولى إلى مشاركة العراقيين، معتبراً أن الإقبال الواسع الذي فاق التوقعات، وللمرة الأولى منذ 3 دورات انتخابية، رغم قرار بعض القوى المقاطعة، يعكس حجم الرضا والثقة بالأداء التنفيذي للحكومة وبحالة الاستقرار الأمني.

وأوضح السوداني، في حوارٍ خاص مع الميادين، أن المواطن ينتظر نتائج ملموسة على صعيد الخدمات والوضعين المعيشي والاقتصادي، إلى جانب شعوره بالأمن والاستقرار ورغبته في نهوض بلده وتعزيز دوره في المنطقة.

وبشأن مقاطعة التيار الصدري، نفى وجود أي إشكال شخصي، مؤكداً أن الحكومة تنظر إلى التيار بوصفه "تياراً سياسياً وجماهيرياً واسعاً له رمزية وقيادة ودور في العملية السياسية في كل المحطات"، وأن قرار عدم المشاركة يُحترم، مع الإشارة إلى أن الحكومة كانت تأمل مشاركته وبذلت جهوداً في هذا الاتجاه.

السياسة الخارجية: "مصلحة العراق" بوصلة العلاقات

وعلى صعيد السياسة الخارجية، شدّد السوداني على أن علاقات العراق الخارجية تقوم على مبدأ واحد ثابت هو مصلحة العراق والعراقيين، مشيراً إلى أن هذا النهج شمل العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار والدول الإسلامية، ومنها إيران وتركيا، من دون تمييز بين طرف وآخر.

وفي ما يتعلّق بالمواقف السياسية، أكد السوداني تمسّك العراق بمواقفه المبدئية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن الموقف العراقي كان واضحاً في المحافل الرسمية والشعبية، وبدعم من المرجعيات الدينية، مع التشديد على أن سيادة العراق ووحدة أراضيه وأمن شعبه "ثوابت غير قابلة للنقاش".

وبيّن أن الحكومة نجحت خلال السنوات الماضية، رغم ما شهدته المنطقة من أحداث جسيمة، في بناء علاقات متوازنة حافظت على هذه المبادئ، وأن العراق كان حاضراً سياسياً وإعلامياً وإنسانياً ودبلوماسياً في التعاطي مع العدوان على غزة ولبنان والتطورات في سوريا، وكذلك العدوان على إيران.

كما أوضح أن الشراكات الاقتصادية تشكّل جزءاً أساسياً من سياسة العراق الخارجية، مستنداً إلى الموقع الجيوسياسي للبلاد وما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، جرى استثمارها لبناء علاقات اقتصادية تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي الداخلي وتعزيز الاستقرار.

وفي ردّه على سؤال بشأن الضغوط الخارجية، شدّد السوداني على أن "الشخصية العراقية" لا تقبل التهديد أو الضغط، مشيراً إلى أن بغداد حافظت على علاقاتها مع الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وكشف عن تلقّي العراق تهديدات متكرّرة من كيان الاحتلال الإسرائيلي، عبر طرف ثالث وأحياناً بشكلٍ معلن رسمياً، مؤكداً أن الدولة تتعامل مع هذه التهديدات انطلاقاً من احتكارها قرار السلم والحرب، وسعيها لمنع اتساع الصراع.

وفي ما يخصّ العلاقات العربية، أشار إلى أن السعودية تمتلك ثقلاً مهماً على المستوى العربي والإقليمي، مع التأكيد على إدارة العلاقات مع جميع الأشقاء وفق مبدأ واحد من دون تمييز.

العراق وإعادة إعمار لبنان

أمّا فيما يتعلق بالمشاركة بإعادة إعمار لبنان، أكد رئيس الحكومة العراقية أن موقف العراق الداعم للبنان ثابت ولم يتغيّر، مشدداً على أن ما قدّمه "واجب أخوي وليس منّة أو فضلاً"، موضحاً أن بغداد باشرت فعلياً بإجراءات عملية للمساهمة في إعادة إعمار لبنان، ومؤكداً أنه لا يوجد أي تراجع أو تأخير، بقدر ما هي "إجراءات إدارية وتنظيمية".

وأشار إلى إعلان العراق، في القمة العربية في بغداد، دفعة أولية بقيمة 20 مليون دولار لصندوق إعمار لبنان و20 مليون دولار لإعمار قطاع غزة، مؤكداً أن هذا القرار يعكس موقف الشعب العراقي بكل أطيافه، وليس قراراً حكومياً منفرداً.

وكشف السوداني عن فتح مكتب لمتابعة مساهمة العراق في إعادة إعمار لبنان، مع اتصالات برئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب اللبنانيين، وإيفاد وفد إلى بيروت لاستكمال الإجراءات الرسمية والإعلان عن المكتب.

أمن سوريا من أمن العراق.. والتواصل مستمر مع الإدارة الجديدة

وبشأن سوريا، أكد السوداني أن اللقاء الذي جمعه برئيس المرحلة الانتقالية السورية أحمد الشرع جاء استجابة لرغبة قطرية، لافتاً إلى أن التنسيق لم يبدأ عند اللقاء، بل سبقه تواصل أمني مباشر، بما في ذلك إرسال وفد برئاسة رئيس جهاز المخابرات إلى دمشق، وتشكيل لجنة تنسيق أمنية ثنائية.

وفي توصيفه للعلاقة مع سوريا، شدّد السوداني على أن العراق وسوريا يرتبطان بمشتركات تاريخية واجتماعية عميقة تمتد لآلاف السنين، وأن أمن سوريا واستقرارها يُعدّان مقدّمة لأمن العراق وتعزيز الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن بغداد احترمت إرادة الشعب السوري بعد التغيير وفتحت قنوات التواصل مع الإدارة الجديدة على هذا الأساس.

وأشار إلى أن بغداد نقلت رسائل واضحة للإدارة السورية بضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تستوعب جميع المكونات، ونبذ التطرف والإرهاب، واتخاذ موقف حاسم من تنظيم "داعش"، وموقف واضح من الوجود الأجنبي والتوغّل والاعتداءات الإسرائيلية، مع التأكيد على وحدة سوريا.

وفي الجانب الأمني، أكد السوداني أن العراق يولي أولوية قصوى لمواجهة خطر عودة نشاط "داعش"، لافتاً إلى أن بغداد تعمل ضمن منظومة التحالف الدولي وبالتنسيق مع الجانب السوري، إلى جانب تعاون أمني متقدم في ملف مكافحة المخدرات، شمل تنفيذ عمليات مشتركة داخل الأراضي السورية استناداً إلى تبادل معلومات استخبارية.

وعلى الصعيد السياسي، أوضح السوداني أن التواصل مع دمشق مستمر وعلني، وشمل زيارات متبادلة لوزراء ووفود رسمية من الجانبين، مؤكداً أن العراق يراقب التطورات الأمنية في سوريا عن كثب.

وأضاف، في إجابته عن تقييمه لشخص أحمد الشرع بين إدلب ودمشق، أنه "انتقالة"، وأن الشرع تحدث بصراحة عن طور الانتقالة ومواجهة تحدياتها، وأبدى رغبة في معالجة آثار المرحلة الماضية وما تخللها من معاناة للسوريين، مؤكداً دعم العراق لأي توجه يحقق استقرار سوريا وتجاوز حقبة الاضطرابات.

وفي ما يتعلّق بإمكانية قيام العراق بدور وساطة بين إيران والإدارة السورية الجديدة، أكد السوداني أن بلاده تمتلك علاقات متميزة مع مختلف الأطراف تؤهلها للعب أدوار تقريب وجهات النظر متى طُلب منها ذلك، لكنه أوضح أنه حتى الآن لم يُطلب من العراق أداء هذا الدور.

العراق بين إيران والولايات المتحدة: لا "وصاية" لأحد ومسعى لحوار بين طهران وواشنطن

رئيس الحكومة العراقية نفى وجود أي تدخل أو وصاية إيرانية في الشأن الداخلي العراقي، مؤكداً أنه لم يلمس، خلال ثلاث سنوات ونصف من توليه رئاسة الحكومة ما يُتداول عن نفوذ أو تدخل سافر في القرار السياسي العراقي.

وأشار إلى خصوصية العلاقة مع إيران، كونها دولة جارة تربطها بالعراق مشتركات دينية وثقافية واجتماعية، إضافةً إلى موقفها الداعم لبغداد في مواجهة "داعش" ودعم العملية السياسية، مشدداً على أن هذا الدعم لا يمكن تفسيره بوصفه تدخّلاً أو محاولة لفرض أجندات أو وصاية.

وفي المقابل، أكد خصوصية العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تقوم على الشراكة الاستراتيجية التي أقرّها العراقيون، لافتاً إلى دور واشنطن في إسقاط النظام السابق، ثم قيادة التحالف الدولي لمواجهة "داعش" عام 2014، مع التشديد على أن التضحيات الأساسية قدّمها الشعب العراقي وقواته الأمنية.

وكشف السوداني عن مسعى عراقي قائم لتقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران، مشيراً إلى وجود تواصل مع أعلى المستويات، ومؤكداً أن بغداد تبذل جهداً نشطاً لتهيئة أرضية حوار جاد بين الطرفين.

وأوضح أن هذا المسعى طُرح خلال لقائه الأخير بالمبعوث الأميركي الخاص توم براك، وأن العراق بادر بطرح هذا الدور، مع التشديد على لغة الاحترام وبناء الثقة وعدم الجمع بين التفاوض والعمليات العسكرية وتقديم مبادرات حسن نية، خصوصاً في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية وتأثيرها على الشعوب.

وأكد أن مواقف إيجابية صدرت من أكثر من مسؤول أميركي وإيراني بشأن عدم رفض مبدأ استئناف الحوار، مع بقاء الخلاف حول الضمانات وجدّية المسار ووقف سياسة الإملاءات والتهديدات.

تشكيل الحكومة والاستحقاقات: لا فيتو على أحد

السوداني أكد أن المواقف الإقليمية والدولية تجاه العراق لا تقوم على تقييمات شخصية لرئيس الحكومة، بل تستند إلى منهج الدولة وسياسات الحكومة في إدارة ملف العلاقات الخارجية، مشدداً على أن الاستقرار هو العامل الحاسم في نظرة الأطراف الخارجية.

وأشار إلى أن الخلافات القائمة على الساحة العراقية قد تكون مرتبطة بالأشخاص داخلياً، لكنها لا تنعكس على الموقف الخارجي، معتبراً أن الإشكالية الحقيقية تكمن في احترام القوى السياسية لإرادة الناخبين ونتائج الانتخابات.

وأوضح السوداني في حواره مع الميادين أن العراق نظام نيابي وأن السلطة الفعلية بيد مجلس النواب، وأن حسم اسم المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة قرار جماعي يعود إلى الإطار التنسيقي، مؤكداً عدم وجود "فيتو" على أي شخصية من المكوّنات في الاستحقاقات الدستورية المقبلة.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان هناك اعتراض على ترشيح محمد الحلبوسي، أوضح السوداني أن النقاشات خلصت إلى عدم وجود فيتو على أحد، وأن اختيار مرشح رئاسة مجلس النواب حق للمكوّن وفق الاستحقاق الانتخابي.

وفيما يتصل بمستقبله السياسي، أكد أن الولاية الثانية ليست طموحاً شخصياً بقدر ما هي "استعداد لتحمّل المسؤولية واستكمال مشروع بدأناه"، مشيراً إلى أن مشروع الإعمار والتنمية حظي بثقة أكثر من مليون و400 ألف ناخب، وأن حظوظه في تشكيل حكومة جديدة لا تزال قائمة مع ثقته بأن القوى السياسية ستحترم إرادة الناخبين.

انسحاب التحالف الدولي ماضٍ.. وحصر السلاح قرار عراقي "بلا وصاية"

وأكد رئيس الحكومة العراقية أن ملف حصر السلاح "مبدأ دستوري" ورد في البرنامج الحكومي المقدم في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وصوّت عليه مجلس النواب، نافياً أن يكون استجابة لطلب أميركي أو خارجي، ومشدداً على أن المعالجة بالحوار.

وأكد أيضاً أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملتزمة بتنفيذ اتفاق انسحاب التحالف الدولي وفق الجدول الزمني المعلن، لافتاً إلى أن بغداد ستتسلّم، خلال أيام، قاعدة "عين الأسد" والعمليات المشتركة بالكامل، على أن يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية بتسليم قاعدة "الحرير" في أربيل.

وأوضح أن هناك مسارات وطنية أمام من يحمل السلاح، تشمل الانخراط في المؤسسات الأمنية أو التوجّه إلى العمل السياسي، مشيراً إلى أن هذه المسارات "مقبولة من جميع الأطراف الغربية".

وعن تعيين مبعوث أميركي خاص، رأى السوداني أن الخطوة تعكس اهتماماً بالعلاقات الثنائية وفتح نوافذ إضافية للتواصل، لكنه شدد على رفض أي محاولات لفرض توجهات معينة، ولا سيما في ملف حصر السلاح، مؤكّداً أن هذا شأن داخلي لا يقبل وصاية أو تدخلاً من أي طرف خارجي.

وفي تقييمه لتجربة هيئة الحشد الشعبي، أكد السوداني الدور الكبير للحشد في مواجهة الإرهاب وطرد "داعش"، جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، وتقديمه شهداء وجرحى، مشيراً إلى أنه مؤسسة أمنية بقانون، خاضعة لقيادة القائد العام، ومندمجة ضمن المنظومة الأمنية المشتركة، مع الإشارة إلى مباشرة الحكومة بمسار إصلاح مؤسساتي للأجهزة الأمنية، بما فيها الحشد.

وفي ذكرى استشهاد أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني، قال السوداني إنه لا يوجد قول أبلغ من قول المرجعية عندما سمّت الشهيدين بـ"قادة النصر"، مشدداً على دورهما في الانتصار على "داعش" إلى جانب مختلف مكوّنات الشعب العراقي، ومؤكداً أن حادثة اغتيالهما شكّلت انتهاكاً لسيادة العراق، لا سيما وأن الشهيد سليماني كان ضيفاً في العراق، وهو مسؤول رفيع المستوى في الجارة إيران.

المصدر: الميادين

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha